الدولة التي "تحَكِّم" لا "تحْكُم"

الرئيس الذي "يحَكِّم" لا "يحْكُم"، على هادي أن يدرك هذا.

الرئيس الذي "يحَكِّم" لا "يحْكُم"، على هادي أن يدرك هذا.
عليه أن يدرك أن الرئيس الذي "يحَكِّم" مواطنيه لا يمكنه أن "يحكُمهم"، ولا أن يصبح "حاكمهم" في أي مستقبل كان.
وعليه أن يدرك أنه اقترف خطأً تاريخياً جسيماً حين فتح باب "التحكيم القبلي" قبل فترة في حادثة مقتل الشيخ سعد بن حبريش في محافظة حضرموت. لقد دفعت الدولة مليار و200 مليون ريال تحكيم للقبائل وعدد من السيارة بينها سيارات مدرعة تبلغ قيمة الواحدة 250 ألف دولار! وسيتعاظم خطؤه هذا بشدة ويتحول الى سياسة قاتلة للدولة إن كرره في قضية مقتل الشيخ أحمد الشبواني وأبن شقيقه على يد قوات مكافحة الارهاب على مقربة من دار الرئاسة بصنعاء أمس، أو إن كرره في أي قضية أخرى مع أي قبيلة أخرى.
المعلومات المتداولة اليوم حول مسودة "تحكيم قبلي" مقدم من الدولة لقبيلة عبيدة بمحافظة مأرب بشأن مقتل الشبواني ستشكل كارثة حقيقية إن صحت: المعلومات تحدثت عن تداول مشائخ قبيلة عبيدة مسودة تحكيم مقدمة من الدولة "تنص على ايصال 200 سيارة شاص موديل 2014 وكذا 200 صالون لكسز و50 رشاش دوشكا وخمسة آلاف مجرى آلي" بالإضافة إلى أمور أخرى مجحفة بل ومهينة للدولة من بينها "دفع مبلغ مليوني دولار مقابل الدفن, و20 مليون دولار مقابل العيب". وفوق هذا وذاك، أن "يقدم الجناة (يقصدون الجنود الذين قتل منهم 5 برصاص أتباع الشبواني) للمحاكمة او تأخذ قبيلة عبيدة بثأرهم بأيدهم في حال عدم تقديم الجناة للمحاكمة"!
ما هذا؟!
هذا جنون إن صح، بل إنه انتحار للدولة.
هذه المعلومات ما تزال غير مؤكدة، لكن هناك سابقة (بل سوابق) حدثت. واذا كان هادي قد تورط فعلاً في "تحكيم" جديد، فعليه ان يتلافى هذا الخطأ ويتراجع عما انزلق اليه، وعلى الجميع مطالبته بذلك، فهذه تمثل جريمة في حق الدولة ستكون لها أبعاد مدمرة على سلطة الدولة ومعناها. إنها عملية انتحار تنفذها الدولة في حق نفسها، وهي عملية انتحار ينفذها هادي في حق نفسه وموقعه كرئيس دولة.
على هادي أن يدرك أن "تحكيم" الدولة للقبائل يمكن أن يفضي الى أي شيء باستثناء الاستقرار: إنه يفتح الباب على مصراعيه أمام المزيد والمزيد من غياب الاستقرار، والمزيد المزيد من عدم احترام الدولة، وعدم الدولة نفسها.
على هادي أن يدرك أن كل "تحكيم قبلي" اقترفه أو سيقترفه يشكل خيانة لموقعه الدستوري كـ"رئيس دولة" وخيانة للدولة.
على هادي أن يدرك أن "التحكيم القبلي" ليس طريقة في "الحكم" ولا طريقاً إليه.
على هادي أن يدرك أنه أمام أحد خيارين:
إما أن "يحكِّم" أو "يحكُم". إما أن يتصرف كـ"مُحَكِّم" أو يتصرف كـ"حاكم". والأمران لا يجتمعان أبداً، ولا يفضي أحدهما الى الآخر تحت أي ظرف وبأي منطق أو جنون.

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
6 + 7 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.