مشـــروع "شـــرطة الكهــــرباء"، هل هو وراء انقطاعهــــا المتواصــــل؟

أعطى رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة الثلاثاء قبل الماضي لوزراء الدفاع والداخلية والإعلام مهلة أسبوع لضبط المتورطين في جرائم تخريب خطوط وأبراج الكهرباء والإعلان عن أسمائهم في التلفزيون الرسمي، وقد انتهت المهلة أمس الأول الثلاثاء، ولكن بنتيجة عكسية.
بدلاً من إعلان أسمائهم على التلفزيون الرسمي، قطع المخربون الكهرباء عن العاصمة وعموم محافظات البلاد ولم يسمحوا لنا بمشاهدة التلفزيون من الأساس. وبدلاً من ضبطهم، ألقى المخربون القبض على فرق الإصلاحات ومنعوها من الوصول إلى المناطق المتضررة من الإعتداءات المتكررة. ومنذ الثلاثاء الفائت، والبلاد غارقة في ظلام دامس.
أما أنا فغارق في الظلام الدامس وفي التساؤلات أيضاً: ما هو الإجراء الذي ستتخذه الحكومة ضد المخربين بعد هذا التصعيد التخريبي من قبلهم؟ ما هي العقوبة التي سيتخذها باسندوة ضد الوزراء الثلاثة محمد ناصر أحمد وعبدالقادر قحطان وعلي العمراني؟ هل سيجهش في البكاء في حضرة الوزراء الثلاثة مثلا؟
من أعطى الآخر مهلة، هل هو باسندوة أمهل الوزراء الثلاثة أم أنهم المخربون أمهلوا باسندوة مع وزرائه الثلاثة وكل أعضاء حكومته؟! يبدو الشق الأخير من السؤال هو الأرجح لأنه من الواضح أن المخربين هم من اتخذ إجراءات عقابية حاسمة وشاملة وليس باسندوة الذي يتأكد لنا يوماً بعد يوم أنه لا يملك من أمره وأمر حكومته شيئاً، والسبب لا يكمن- على الأرجح- في أنه والوزراء المعنيون بهذه القضية في حكومته لا يستطيعون ضبط مجموعة من المخربين بل في أنهم يتخاذلون ويتقاعسون عن هذا لأن جرائم التخريب تصب في صالح مشاريع تجارية وسياسية تخص جهات وأطرافاً في صنعاء يدين باسندوة ووزراؤه لها بالولاء الأعمى.
من باسندوة إلى وزراء الداخلية والإعلام والكهرباء (وربما الدفاع أيضا)، كل هؤلاء محسوبون بشكل أو بآخر على حزب الإصلاح الذي اتهم جنباً إلى جنب مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح بالضلوع في تخريب الكهرباء خلال عامي 2011 و2012 عبر عناصر محسوبة عليه أو على شركائه العسكريين والقبليين (كعلي محسن الأحمر وحميد الأحمر). إظهار أن حكومة صالح باتت عاجزة عن توفير وحماية خدمة الكهرباء ربما بدا لحزب الإصلاح أو لشركائه وحلفائه سبباً كافياً لقطع الكهرباء عن الناس بعد انطلاق ثورة 2011، فعلى أي أساس يمكن التعامل مع الاتهامات الموجهة للإصلاح أو شركائه بالوقوف وراء أعمال التخريب الجارية اليوم؟
من المستبعد أن يكون هناك مخربون يمارسون أعمالهم التخريبية بكل هذه الأريحية والثقة اللتين يمارس بهما مخربو خطوط وأبراج الكهرباء جرائمهم ولاسيما في ظل حكومة لا يبدو أنها أصيبت بحالة من الشلل التام قدرما يبدو أنها أصيبت بشلل إرادي. وهذا يقودنا إلى إحتمال نطرحه هنا في صيغة سؤال: هل يمكن أن يكون الإصلاح أو شركاؤه وراء أعمال التخريب الأخيرة، وما مصلحة هذا الطرف في إظهار حكومة باسندوة بكل هذا العجز في وقت يعد فيه هذا الطرف أبرز المسئولين المؤثرين في هذه الحكومة؟
ما من معلومات مؤكدة تثبت الهوية السياسية للمتورطين في أعمال التخريب الأخيرة باستثناء أنهم ينتمون إلى مناطق محسوبة على الإصلاح. لكن هناك مؤشرات عدة يمكن الاعتماد عليها مبدئياً في تكوين صورة أولية (وغير نهائية بالطبع) عن هذا الأمر.
وقوف الحكومة مكتوفة اليدين أمام كل هذا العبث يشكل المؤشر الأول على كون الإصلاح يتحمل مسئولية هذا العبث. وهو إن لم يكن مسئولا من جهة تورط عناصر محسوبة عليه في أعمال التخريب، فهو مسئول من جهة أن رئيس الوزراء ووزراء الوزارات المعنية بقضية الكهرباء تحديدا محسوبون عليه.
غير أن هذا يبقى مؤشرا بسيطا لا يعتد به بالمقارنة بالمؤشر الثاني. ثمة أخبار تم تداولها مؤخرا عن مشروع تقدم به وزير الكهرباء للحكومة وربما للرئيس هادي يتمثل في تشكيل شرطة خاصة بالكهرباء قيل أن قوامها المبدئي يتألف من 10 ألف مجنداً. ما من معلومات أكيدة حول هذا المشروع، لكنه أصبح موضوع حديث الكثيرين في الوسطين السياسي والإعلامي. عدا عن ذلك، من غير المستبعد أن تتفتق قريحة الإصلاح عن مشروع كهذا بعد أن تفتقت قريحته عن مشروع أشد غرابة: مشروع شرطة المساجد الذي طرحه وزير الداخلية عبدالقادر قحطان قبل شهور عدة.
يسعى الإصلاح لإلتهام الوظيفة العامة والدولة اليمنية بشكل عام. وهو، في إطار هذا المسعى الذي لم يعد خافياً على أحد، يحاول توظيف المشاكل والثغرات المفتوحة في أداء الحكومة والدولة لصالحه. تجنيد عشرات الآلاف من أعضائه وأنصاره هي عملية جارية على قدم وساق في سائر مفاصل الدولة وعلى مختلف الأصعدة والمستويات منذ العام 2011. وهذه العملية تأتي كما يبدو في إطار عملية "التمكين"، تمكين جماعة الإخوان من إحكام قبضتها على السلطة والحكم، وتبيح الجماعة لنفسها فعل أي شيء من أجل إنجاح عملية التمكين هذه. وهكذا، من غير المستبعد أن يلجأ الإصلاح إلى تجميد حركة الحكومة في مواجهة تخريب خطوط وأبراج الكهرباء طالما أن هذا سيفضي إلى إستيعاب آلاف المحسوبين عليه داخل الوظيفة العامة والدولة ولاسيما تحت دعوى أن هؤلاء من أنصار الثورة الذين قاتلوا في "نهم" أو "مأرب" أو "أرحب" مثلا.
حتى تتضح الصورة، سيظل الإصلاح وكافة الأطراف المشاركة في الحكومة مسئولين عن هذا العبث على الأقل نظرا لكونهم حكام البلاد. غير أن "الهَـوَارَة" التي ظهر عليها الإصلاح فوق مائدة السلطة والوظيفة العامة تجعلنا نتوقع منه فعل أي شيء من أجل تحقيق مصالحه الخاصة. لهذا، لم أستبعد كما لم يستبعد أحد من معارفي وأصدقائي الخبر الخاص بمشروع "شرطة الكهرباء"، بل إنني أتوقع أن الإصلاح يمكنه أن يذهب أبعد من مشروع كهذا. على سبيل المثال، إذا نجح الإصلاح في إنتزاع قرار من هادي أو الحكومة بتشكيل شرطة للكهرباء وأكتشف أنه ما يزال لديه أعضاء أو أنصار لم يتم إستيعابهم في الهيكل الوظيفي للدولة، فلا أستبعد أن يقوم هذا الحزب "الهَـوِر" ببيعهم للمواطنين كـ"مَوَاطِير"!
..............................................
* ينشر في الأولى غدا الخميس.

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
12 + 0 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.