3 سنوات على العدوان.. اليمن يدفع فاتورة التهور السعودي

 

3 سنوات عجاف مرت على اليمن منذ وطأت الأقدام السعودية الأراضي اليمنية، سنوات من القتل والدمار والمؤامرات والتخريب، لم تتمكن المملكة خلالها من تحقيق جزء ولو بسيط من أهدافها المزعومة، ورغم أنها استنفدت جميع خياراتها في محاولة تنفيذ الأوامر الأمريكية والمخططات الصهيونية، إلا أن النتائج جاءت عكسية، حيث حاولت المملكة تحجيم جماعة أنصار الله، لتفاجأ بها بعد ثلاث سنوات من العدوان على مشارف الأراضي السعودية، وصواريخها في قلب الرياض.

بداية العدوان

 

لم تكتف الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية والإمارات بالدمار الذي حل بالعراق وسوريا وليبيا جراء المخططات الصهيوأمريكية منذ عام 2011، التي كانت ولا تزال تهدد العديد من الدول العربية والإسلامية في الشرق الأوسط، فكانت الرياض وأبو ظبي خير مثال على الدمية اللينة والحليف المُطيع للإدارة الأمريكية المتصهينة، التي اختلقت فزاعة وهمية لترهيب دول المنطقة ودفعها إلى شن حروب وتوريطها في المزيد من مستنقعات الدماء العربية.

 

كانت الساعة حوالي الثانية بعد منتصف الليل بتوقيت الرياض يوم 26 مارس عام 2015، عندما صدر بيان ما يسمى “التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن” الذي تقوده السعودية والإمارات بشكل رئيسي، وتدعمهم بعض الدول العربية والإسلامية على استحياء، وفي مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي الست باستثناء سلطنة عمان، في حين رحّبت مصر والأردن والمغرب وباكستان والسودان بالمشاركة في العملية.

 

البيان حينها أعلن انطلاق عملية “عاصفة الحزم” لتُقلع أول مقاتلة تابعة للقوات الجوية الملكية السعودية، وتشن عدوانًا كثيفًا على المواقع التابعة لجماعة أنصار الله والقوات التابعة للرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، وبدأت أول الضربات الجوية على مطار صنعاء وقاعدة الديلمي الجوية ومقر قيادة القوات الجوية التي كانت جماعة أنصار الله تسيطر عليها، وحاولت قيادة العدوان في بيانها تبرير أسباب وظروف اندلاع الحرب، وإقناع الرأي العام العربي والغربي به.

 

وفي 21 أبريل من العام نفسه، وبعد أقل من شهر على بدء العدوان، تراجعت المملكة وحلفاءها خطوات إلى الوراء، حيث أعلنت قيادة العملية عن توقف “عاصفة الحزم”، وبدء “إعادة الأمل”، وحينها زعمت وزارة الدفاع السعودية، أن “العملية أزالت جميع التهديدات التي كانت موجهة لأمن السعودية والدول المجاورة، وبعد أن تم تدمير الأسلحة الثقيلة والصواريخ البالستية والقوة الجوية التي كانت بحوزة الحوثيين والقوات الموالية لصالح”.

 

كشف حساب العدوان

أكثر من ألف يوم مروا على العدوان، ولا تزال الدول المعتدية ترتكب المزيد من الجرائم الإنسانية وتسفك دماء اليمنيين وتحمل الدولة الفقيرة بالأساس أعباء انهيار بنيتها التحتية، فاليمن يعيش اليوم أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بعدما أصبح عبارة عن صالة عزاء كبيرة ومستنقع دماء تغوص فيه السعودية وحلفاؤها، فالأرقام والإحصائيات التي تصدرها المنظمات والجمعيات والهيئات المدنية والحقوقية والأممية تكشف حجم الكارثة التي أحدثتها المخططات الصهيوأمريكية.

 

وأعلنت الأمم المتحدة في أحدث إحصائية لها، صدرت الخميس الماضي، التحقق من مقتل 14 ألف و290 شخصا في اليمن منذ انطلاق العدوان السعودي، من بينهم 6 آلاف و100 مدني وألف و500 طفل، وجرح أكثر من 22 ألفا و500 شخص، ولفتت نائبة المفوض السامي لحقوق الإنسان، كيت جيلمور، إلى أن عدد الضحايا المدنيين ارتفع بشكل كبير خلال الأشهر الستة الماضية؛ بسبب القصف الجوي الذي يشنه التحالف بقيادة السعودية، موضحة أن “هذا القصف مسؤول عن وقوع أكثر من 61% من كل الضحايا المدنيين، فيما يتسبب القصف العشوائي ونيران القناصة في المناطق المزدحمة بالسكان، في أغلبية النسبة المتبقية من الضحايا”.

 

 

منظمة العفو الدولية لم تتوقف منذ بداية العدوان عن إصدار الإحصائيات التي توضح حجم الكارثة، حيث قالت في تقرير جديد لها صدر السبت الماضي، بمناسبة دخول العدوان عامه الرابع، إن اليمن يعيش حاليًا إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يحتاج ما لا يقل عن 22.2 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، أي ما يعادل 80% من السكان، خاصة بعد تشديد التحالف السعودي حصاره البحري والجوي غير القانوني على اليمن، في حين يُشتبه بإصابة أكثر من مليون شخص بمرضي الكوليرا والدفتيريا، و2.4 مليون طفل مصاب بسوء التغذية، و8 ملايين شخص على شفا المجاعة، فيما ذكرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، في تقرير صدر حديثًا، أن ثمة ما يزيد على 4 ملايين شخص أُجبروا على النزوح سواء داخليًا في اليمن أو خارجيًا.

 

قدرت الخسائر المادية التي طالت البنية التحتية اليمنية خلال الثلاث سنوات الماضية من الحرب والحصار، بنحو 30 مليار دولار على الأقل، فيما يعتقد أن الخسائر الاقتصادية التي طالت النشاط التجاري والصناعي في اليمن، تتجاوز المبلغ بكثير.

 

من جانبها، أحصت منظمة رايتس رادار لحقوق الإنسان في العالم العربي، التي تتخذ من هولندا مقرًا لها، حجم الدمار في اليمن، مؤكدة تضرر أكثر من 26 ألف منزل، بين تدمير كلي وجزئي، وأكثر من 6 آلاف و800 منشأة عامة وخاصة متفاوتة الأضرار في مختلف القطاعات، وقدّر خسائر البنية التحتية بأكثر من 30 مليار دولار أمريكية، جراء الحرب منذ مارس 2015، وتعرضت نحو 391 منظمة ومؤسسة طوعية وجمعية خيرية للإغلاق بسبب تعثر نشاطها والحصار المفروض على اليمن من قبل تحالف العدوان.

 

وفي الجانب الصحي، تعرض أكثر من 55% من المستشفيات والمراكز الصحية اليمنية إلى الإغلاق وتوقف خدماتها الطبية؛ إما بسبب القصف البري أو الجوي الذي طالها جراء الحرب، أو بسبب الحصار والظروف الصعبة المواكبة له، وحظر دول العدوان دخول أي مساعدات طبية إلى اليمن، فيما أصيب القطاع التعليمي بشلل تام، حيث تعثر التعليم في أكثر من 35% من المدارس والكليات الجامعية العامة والخاصة، جراء الدمار الكلي أو الجزئي الذي طال نحو ألفي و231 مدرسة وجامعة ومنشأة تعليمية، أو جراء تحولها لمأوى للمسلحين ومخازن لأسلحتهم، فيما يستخدمها بعض المدنيين كملاجئ بعد انهيار منازلهم.

 

ماذا تحقق؟

 

منذ بداية العدوان، أعلنت السعودية أن الهدف الرئيسي دعم ما أسمته بـ”الشرعية” المتمثلة في الرئيس اليمني المستقيل، عبد ربه منصور هادي، وحماية اليمن من النفوذ الإيراني المتصاعد في منطقة الشرق الأوسط، لكن بعد مرور ثلاثة أعوام على الحرب ظهرت النتائج على عكس ما أرادت المملكة؛ حيث باتت جماعة أنصار الله على مشارف الأراضي السعودية؛ بعدما رابط مقاتلو الحركة على مشارف نجران، منتظرين أي إشارة لاقتحامها، فيما يسيطرون على المواقع الاستراتيجية في جيزان وعسير، مانعين القوات السعودية من استرداد هيبتها في حدودها الجنوبية.

 

وفي الوقت نفسه، باتت الصواريخ اليمنية تصل إلى قلب العاصمة السعودية الرياض، حيث بدأ الأمر باستهداف جماعة أنصار الله مناطق حدودية مع السعودية بصورة متكررة بغارات وإطلاق صواريخ منذ بداية العدوان، لكن المسألة تطورت بشكل لافت في 4 نوفمبر عام 2017، عندما أطلق الحوثيون صاروخًا بالستيًا على مسافة 750 كلم في اتجاه العاصمة السعودية الرياض، قالت حينها القوات السعودية إنها اعترضته فوق مطار الملك خالد الدولي بالرياض، ما أدى إلى سقوط شظايا منه في حرم المطار، وفي 7 نوفمبر الماضي، هددت جماعة أنصار الله بضرب مطارات وموانئ السعودية والإمارات؛ ردًا على تشديد الحصار على اليمن، وفي 19 ديسمبر الماضي، أطلقت القوات اليمنية صاروخًا جديدًا استهدف قصر اليمامة، حيث كان يُعقد اجتماع للقادة السعوديين هناك.

 

ورغم الورطة التي باتت تحاصر السعودية وحلفائها في اليمن، سواء من جانب الخسائر المادية والبشرية التي تكبدتها طوال الثلاث سنوات أو الضغوط الدولية والأممية والحقوقية جراء الجرائم التي ارتكبتها في اليمن، إلا أن تحالف العدوان لا يزال يتعنت بشأن الحل السياسي، حيث نظمت الأمم المتحدة عدة جولات تفاوضية بين الأطراف المتنازعة في اليمن، وتبدل العديد من المبعوثين الأممين؛ بداية من جمال بن عمر، وصولًا إلى مارتن جريفيث، مرورًا بإسماعيل ولد الشيخ أحمد، وتم إعلان العديد من الهدن واتفاقيات وقف إطلاق النار التي لم تلبث أن تبدأ حتى تنتهي ويتم خرقها، لكن كل هذه الجهود بُذلت دون تحقيق أي نجاح، فالسعودية وحلفاؤها لا يزالون يبحثون عن إنجاز عسكري يخول لهم تحجيم حركة أنصار الله ويحفظ ماء وجههم على طاولة المفاوضات، فيما لا تستعجل الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها البريطانية في إنهاء هذه الحرب، التي تدر المليارات على أسواق السلاح الأمريكية والبريطانية، وتمكنهم من نهب المزيد من الثروات العربية.