تقرير : الحصار والحرب يُعمِّقان معاناة مرضى الفشل الكلوي

 

ليست الحرب الوسيلة الوحيدة لقتل المدنيين في اليمن، فالموت يبقى واحداً وإن تعددت أسباب المعاناة.

 

الحصار المطبق على اليمن منذ قرابة ثلاث سنوات تسبب بتدهور الأوضاع في المرافق الصحية والمستشفيات والمراكز الصحية الحكومية والخاصة، وشكل مأساة حقيقية على أكثر من صعيد، فمرضى الفشل الكلوي في الحديدة، والذين يتدافعون من 3 محافظة أخرى، يموتون في اليوم مئات المرات وهم ينتظرون مواعيد الغسيل في مركز شبه متوقف بسبب نفاذ محاليل الغسيل، ناهيك عن الحالات التي تفارق الحياة يومياً .

 

ازدحام وموت

 

نتيجة انعدام المحاليل والأدوية الخاصة بمرضى الفشل الكلوي في محافظة الحديدة، جراء الحرب والحصار الذي يفرضه «التحالف العربي» بقيادة السعودية، سجل مركز الغسيل الكلوي بمديرية زبيد بمحافظة الحديدة 15 حالة وفاة منذ بداية يناير من العام الحالي.

 

إلى ذلك، يؤكد مدير مركز الغسيل الكلوي بالحديدة الدكتور أيمن كمال في تصريح لـ«العربي»، أن عدد مرضى الفشل الكلوي في الحديدة وصل إلى 1200 حالة، موزعين على 4 مراكز هي في زبيد، والقناوص، وباجل، والمركز الرئيسي في مدينة الحديدة، ومن تلك الحالات 900 مريض يغسلون مرة واحدة في الاسبوع.

 

ويضيف كمال أن الجلستين كل أسبوعين لمريض الغسيل الكلوي تحولت اليوم إلى جلسة غسيل واحدة أسبوعية ولمدة ثلاث ساعات، وهذا يزيد من سوء صحة المريض ويضاعف من معاناته ويقرب من وفاته.

 

ويلجأ مركز الغسيل إلى إجراء هذه الجلسات الطارئة نتيجة انعدام المحاليل وزيادة حالات المرضى بسبب النزوح إلى المحافظة، في ظل إغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية من قبل «التحالف»، على الرغم من المناشدات الدولية بخطورة الوضع الصحي في اليمن.

 

وبحسب تصريحات مدير مركز الغسيل الكلوي بالحديدة، لـ«العربي»، فإن مركز الغسيل الكلوي في الحديدة يستقبل 573 حالة في الأسبوع، ويعجز عن الإيفاء بمتطلبات المرضى جراء انعدام المحاليل الدوائية الخاصة بالغسيل.

 

ويوضح كمال أن المركز يستقبل الحالات من عدة محافظات منها محافظة حجة، وريمة، والمحويث، إضافة إلى عدد من النازحين من محافظتي إب وتعز .

 

وكان مركز الغسيل الكلوي بمديرية زبيد قد أعلن في وقت سابق وفاة 15 حالة بالفشل الكلوي نتيجة انعدام المحاليل والأدوية الخاصة بالمرضى، جاء ذلك تزامناً مع إطلاق مستشفى «الثورة» العام بالحديدة نداء استغاثة لكل المنظمات الإنسانية ورجال المال والأعمال، لإنقاذ مركز الغسيل الكلوي، وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية التي يعاني من نقص حاد فيها نتيجة الحرب والحصار.

 

معاناة وفقر

 

في السياق، حذر رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن الكسندر فيت من أنه مع استمرار الحرب التي تفجرت في 2015، يتوفى رُبع مرضى الفشل الكلوي في اليمن سنويا.

 

وقال خلال مؤتمر صحافي عقد قبل أيام في صنعاء، إنه «منذ بدء الحرب في عام 2015 يتوفى 25 في المئة من مرضى غسيل الكلى في اليمن سنوياً. هناك حاجة عاجلة لتوفير الرعاية الصحية للتيقن من أن معدل الوفيات لن يرتفع أكثر بالنسبة لمرضى الفشل الكلوي، وعددهم 4426 في اليمن. لافتاً إلى أن «نجاة الألاف من المرضى تعتمد على الوصول إلى علاج يتمثل في غسيل الكُلى من دون انقطاع ويُعتمد عليه وآمن".

 

وتزداد أوضاع المعيشة في اليمن تدهوراً يوماً بعد يوم، ويتزايد معها عدد المحتاجين إلى الإغاثة الإنسانية في جميع أنحاء البلاد، ليصل إلى 15.4 مليون شخص يحتاجون إلى الدعم الصحي. بحسب ما أكدته تقارير لمنظمات دولية .

 

إلى ذلك، يؤكد رئيس بعثة «أطباء بلا حدود» في اليمن جون بيسيلينك، أن «معظم المرضى المصابين بالفشل الكلويّ لا يملكون القدرة الجسدية أو المالية للتنقّل من أجل الحصول على العلاج، وحتى إذا تمكّنوا من الوصول إلى مركزٍ يوفّر الخدمة، فإنّه من المحتمل أن لا يقدروا على تحمُّل نفقات العلاج»، ويضيف أنّ «عدداً كبيراً من المرضى المصابين بالفشل الكلويّ هم موظّفون حكوميون لم يتقاضوا أجورهم منذ 18 شهراً، فتتضاءل فرص تلقّيهم هذه الرعاية الطبية المنقذة للحياة».

 

ويتابع يسيلينك «تُصارع المستشفيات لمتابعة عملها، بينما تتعرّض بعضها للغارات الجوية أو القصف المدفعيّ، ما يضطرّها إلى إغلاق أبوابها، ومن بينها مرافق منظّمة أطباء بلا حدود. إنّ الاحتياجات الطبية ضخمة والوضع مزرٍ».

 

يقول مقبل، البالغ من العمر 35 عاماً، خلال مقابلات لمنظمة «أطباء بلا حدود» تناولت مرضى الفشل الكلوي في صنعاء، واطلع «العربي» عليها، إنه يمكث في موقف للسيارات تابع للمستشفى، وذلك نظراً لكونه لا يمتلك المال الكافي الذي يعينه على التنقل من منزله إلى المستشفى في موعد كلّ جلسة.

 

أمّا صابر، البالغ من العمر 24 عاماً، فلم يستطع تحمّل تكاليف العلاج إلّا عندما باعت والدة زوجته جميع مجوهراتها لكي تدفع نفقات علاجه المتواصل، ويقول: «هذا المرض يطيح بي أرضاً ويكبد أحبائي المشقّة».

 

عجز حكومي

وفيما عجزت حكومتا صنعاء وعدن عن إنقاذ مرضى الفشل الكلوي في اليمن، إلا أنها هذه المرة لم تتبادل الاتهامات في ما بينها، حيث ناشدتا المنظمات الإنسانية بإنقاذ مرضى الفشل الكلوي في الجنوب والشمال.

 

وزير حقوق الإنسان في صنعاء علياء فيصل عبد اللطيف، دعت خلال زيارتها لمركز الغسيل الكلوي في الحديدة، المنظمات الدولية المهتمة بالجانب الصحي إلى الإسهام في تقديم الخدمات الصحية والأدوية والمحاليل المطلوبة للمرضى، والتدخل لإنقاذ أكثر من ألف و200 حالة في الحديدة من الموت بسبب الحصار والعدوان.

 

أما في عدن ، فعقد اجتماع برئاسة وزير الصحة بحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، الدكتور ناصر محسن باعوم، تناول عدداً من القضايا المتصلة بنشاط مراكز الغسيل الكلوي والأورام، كما تطرق الاجتماع الذي ضم وكلاء وزارة الصحة والسكان ومدراء عموم الإدارات في الوزارة، إلى المشكلات التي تواجه نشاط هذه المراكز والتحديات التي تواجه الوزارة، فضلاً عن الطرق المثلى لمواجهة الأوبئة المختلفة والحد من انتشارها .

 

* موقع العربي