تقرير .. معارك عدن تربك «الإصلاح»: استعدادات لـ«مساومة» السعودية

 

أثار قرار حزب «الإصلاح» تجميد عضوية الناشطة فيه، توكل كرمان، على خلفية مهاجمتها السعودية، مزيداً من التساؤلات حول استراتيجية الحزب وتكتيكاته في المرحلة المقبلة، خصوصاً بعد استشعاره «الخذلان» في معارك عدن الأخيرة. وفيما لا يزال الحزب حريصاً على إبقاء علاقته متينة بالرياض، يدور الحديث عن استعداده لاستخدام ما تبقى لديه من أوراق قوة منعاً لمحاولات استبعاده من المشهد

 

يبدو حزب «التجمع اليمني للإصلاح» - فرع «الإخوان» في اليمن - في موقف لا يُحسد عليه، عقب الأحداث الدامية التي شهدتها مدينة عدن أخيراً. إذ تستشعر العديد من قيادات الحزب ووجوهه أن من بين المفاعيل السياسية المحتملة لتلك الأحداث سيكون تهميش «الإصلاحيين»، تمهيداً لتضعيف حضورهم في أي عملية تفاوضية محتملة.

 

هذا الهاجس تولّد منذ بدأت مساعي «التحالف» إلى وراثة حزب «المؤتمر الشعبي العام» إثر مقتل زعيمه، علي عبد الله صالح، لكنه اليوم يتجلى في صورة أكثر وضوحاً، متجاوزاً الجناح «الإصلاحي» المحسوب على قطر وتركيا، والذي رفض بشدة الانخراط في أي «لعبة» جديدة تهيّئ لها السعودية والإمارات، ليشمل شخصيات من الجناح المحسوب على السعودية، ونشطاء وإعلاميين مقربين من «الإخوان» بدأوا يثيرون علامات استفهام متكاثرة حول سياسات «التحالف».

لا يعني ذلك أن «الإصلاحيين» الموالين للرياض سيعمدون إلى اتخاذ موقف جماعي مناوئ للأخيرة، إنما المؤكد أن ثمة امتعاضاً متنامياً لديهم، وأن ارتباكاً بائناً يظهر في محاولتهم استيعاب الأحداث الأخيرة والتعامل معها. ارتباك ما يزال مسيطراً على معسكرهم منذ اللقاء الشهير الذي جمع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، بقيادات الحزب المتواجدة في السعودية، أواسط شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي.

 

 

هاجمت أكثر من شخصية «إخوانية» السعودية عقب أحداث عدن

دار الحديث، يومها، عن جهود تبذلها كل من الرياض وأبوظبي لرص صفوف «المؤتمريين» الموالين لهما و«الإصلاحيين» استعداداً لمرحلة جديدة من المواجهة تستهدف السيطرة على كامل الساحل الغربي وإسقاط صنعاء أيضاً. انقسم «إخوان اليمن»، حينذاك، بين جناح (تتواجد معظم وجوهه في تركيا) رافض بالمطلق للانخراط في جولة إضافية من المعارك على اعتبار أن قيادة «التحالف» لا تريد «الإصلاح» إلا وقوداً لعملياتها العسكرية من دون منحه أي مكاسب أو امتيازات، وبين جناح (تتواجد قياداته في السعودية) لم يمانع علناً السير في الخطة السعودية - الإماراتية الجديدة، إلا أنه لم يبادر واقعاً في خطوات ذات دلالة يمكن عدّها اندفاعاً في المواجهة.

مذاك، ما يزال المد والجزر مسيطراً على سلوك «الإصلاح»: تارة يتقاعس عن القتال وطوراً يسارع فيه، مرة يتجرأ على منكافة خصومه وأخرى يبادر في تقديم تنازلات إزاءهم. تقلّب أسهمت سلسلة خطوات عدّها الحزب استهدافاً له (تعويم رئيس هيئة الأركان العامة السابق في قوات عبد ربه منصور هادي، محمد علي المقدشي، على حساب رئيس الأركان الحالي، طاهر العقيلي، تهميش قائد المنطقة العسكرية السادسة وقائد محور صعدة المحسوبَين على «الإصلاح»، السماح لطارق محمد عبد الله صالح بالتمركز في الجنوب ومنحه مساحة وإمكانات لتدريب مقاتليه) في إبقاء حالته بل وتفاقمها، إلى أن جاءت معارك عدن لتبلغ بـ«الحرد الإصلاحي» أعلى مستوياته، وتنبئ بأن المحاولات الإماراتية لضبط الحزب لم تأُل إلى النتيجة التي اشتهتها السعودية.

تفيد بعض المعلومات بأن «الإصلاحيين» المتواجدين في السعودية يلمسون مؤشرات إلى نية «التحالف» توليد «مخلوق حكومي جديد تقوده السعودية والإمارات ولا يقود نفسه»، وأن «محاولة الانقلاب» التي نفذتها الميليشيات الموالية لـ«المجلس الانتقالي»، المحسوب على أبوظبي، لم تكن إلا خطوة على هذا الطريق. من هنا، يتوقع «إصلاحيو السعودية» جولة قتالية جديدة في أي وقت ما لم تُتخّذ تدابير احترازية لمنع وقوعها، وينوون بناءً على ذلك تفعيل ما يعتقدون أنها «أوراق ضغط» يملكونها، وفي مقدمها الألوية والمليشيات المحسوبة عليهم. إلا أن ذلك يتطلب، من وجهة نظرهم، الابقاء على متانة العلاقة مع السعودية؛ كون الأخيرة ليست على عداوة أيديولوجية وتاريخية معهم مثلما هو حال الإمارات، وعليه فإن إمكانية التوصل إلى تسوية معها ليست معدومة، خصوصاً وأن ما بين «الإصلاح» والرياض إرثاً مستطيلاً من الخدمات المتبادلة.

في ذلك السياق على الأرجح، يمكن فهم القرار الذي اتخذه الحزب، أول من أمس، بتجميد عضوية الناشطة فيه، توكل كرمان، على خلفية تصريحات هاجمت فيها السعودية، واصفة عملياتها في اليمن بـ«العدوان». وقال الحزب، في بيان، إن «ما صدر عن توكل كرمان لا يمثل الحزب ومواقفه وتوجهاته، ويُعدّ خروجاً على مواقف الإصلاح». وهو ما ردت عليه كرمان بوصف «الإصلاحيين» بأنهم «مجرد معتقلين لدى الرياض... بل عبيد لحكام الرياض وشيوخ أبوظبي». وكانت الناشطة الحائزة على جائزة «نوبل» للسلام اعتبرت أن «تحالف العدوان السعودي الإماراتي استغل الانقلاب على الشرعية في صنعاء لممارسة احتلال بشع على اليمن».

وجاء موقف كرمان ضمن سلسلة مواقف صدرت عن شخصيات «إخوانية» عقب أحداث عدن، رأى فيها البعض «صحوة إصلاحية متأخرة». إذ توعد الناشط في الحزب، خالد الآنسي، بـ«(أننا) لن نسكت بعد اليوم على جرائم الإمارات والسعودية في اليمن»، فيما نُقل عن القيادي في «الإصلاح»، عبد الله صعتر، المحسوب على السعودية، توعده خلال لقاء شبابي في مأرب، بـ«(أننا) لن نسمح بطرف ثالث يأتي به التحالف... خلوكم على استعداد لمواجهة قريبة، ولنحافظ على رجال الإصلاح بدلاً من إهدار دمائهم».