تقارير : الرياض تنتقم «جوّاً»: «انتفاضة شعبية» ليست واردة

 

كما كان متوقعاً، ردّ تحالف العدوان على النهاية المخزية لحليفه الجديد ــ القديم، قائد «انتفاضة العروبة» التي قُتلت قبل أن تولد، علي عبدالله صالح، باللغة الوحيدة التي يجيدها، وهي القتل. «عاصفة» من الغارات استهدفت القصر الجمهوري في صنعاء ومختلف المحافظات، وذلك استكمالاً لسياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها الرياض، يبدو أن التعويل على «انتفاضة شعبية انتقامية» بعد مقتل صالح ليس وارداً

 

يوم بعد يوم تتضح هشاشة تحالف العدوان الذي تقوده السعودية منذ أكثر من عامين ونصف عام على البلد العربي الأشد فقراً، اليمن، حيث تكبدت خسائر بشرية ومادية ضخمة لم تكن في حسابات ولي العهد محمد بن سلمان عندما أعلن انطلاق حربه «الخاطفة». ومنذ عام 2015، استنفدت الرياض جميع خياراتها، بما فيها تلك غير المحبّبة، التي كان آخرها دعم الرئيس السابق علي عبدالله صالح في ساعاته الأخيرة، من أجل تحقيق أهدافها، لكنها فشلت وغرقت في حرب استنزاف لا مخرج منها، حتى اليوم، من دون الإقرار صراحةً بالهزيمة على يد شعب لطالما «استخفت» بقدراته.

 

وفي أول تعليق لها على التطورات الأخيرة في اليمن، أعربت السعودية عن أملها في أن «تسهم انتفاضة أبناء الشعب اليمني ضد الميليشيات الحوثية الطائفية الإرهابية المدعومة من إيران، في تخليص اليمن الشقيق من التنكيل والتهديد بالقتل والإقصاء والتفجيرات والاستيلاء على الممتلكات العامة والخاصة». أما سفير الرياض في اليمن، محمد آل جابر، فكرر التصريحات القديمة نفسها حول «دعم المملكة الدائم للشعب اليمني» و«الجرائم الحوثية» و«التربية الإيرانية».

وموقف السعودية ليس مفاجئاً، فالمملكة لا تجيد الاعتراف بهزائمها، وغالباً ما تلجأ إلى لغة القصف والقتل والتدمير للرد على انتصارات اليمنيين الميدانية والسياسية، الأمر الذي تجلى في حملة التصعيد الجوي التي شهدتها صنعاء منذ إعلان سقوط «الرجل الأول»، لتسقط معه آمال الرياض في تحقيق مكاسب سياسية تعوّض فيها عن خسائرها الميدانية.

 

تضاربت المعلومات بشأن مصير أقارب الرئيس السابق

 

وكثّفت طائرات العدوان، أمس، من قصفها واستهدافها لصنعاء وصعدة ومختلف المحافظات، مخلّفة شهداء وجرحى وأضراراً مادية كبيرة في ممتلكات الدولة والمواطنين. واستهدفت الطائرات، لأول مرة بأكثر من 9 غارات، القصر الجمهوري التاريخي في العاصمة، ما أدّى إلى تدميره وتدمير الأبنية التابعة له بشكل كبير وتضرر منازل المواطنين في الأحياء المجاورة له. وشنّت 4 غارات على جسر الرئاسة، وغارتين على بوابة الرئاسة وسط العاصمة، و5 غارات على مديرية السبعين، كما استهدفت منصة السبعين للاحتفالات للمرة الثانية خلال اليومين الماضيين.

كذلك أطلقت الرياض أكثر من 200 صاروخ على محافظة صعدة، وعشرات الغارات على مختلف المديريات.

وفي وقت واصلت فيه طائرات العدوان شنّ غاراتها، غصّت شوارع العاصمة بالمسيرات الشعبية المؤيدة للدولة، وذلك تلبية لدعوة زعيم «أنصار الله» السيد عبد الملك الحوثي إلى الخروج للاحتفال بـ«سقوط مؤامرة الغدر والخيانة»، في مشهد لم يتوقعه من تابع التهويل والترهيب الإعلامي السعودي في اليوميين الماضيين.

وألقى رئيس اللجنة الثورية العليا، محمد علي الحوثي، كلمة أكّد فيها أن «أنصار الله» حاربوا «ميليشيا الخيانة» جنباً إلى جنب مع «قبائل ومشايخ طوق صنعاء»، مؤكداً أن مقتل الرئيس السابق لم يكن «انتقامياً»، بدليل أن «بعض أبناء صالح موجودون في المستشفى ونعمل لمعالجتهم ولم نذهب لاعتقالهم».

وجاء ذلك ردّاً على إشاعات انتشرت حول قيام الأجهزة الأمنية بحملة اعتقالات لقيادات «المؤتمر الشعبي العام» وأفراد من عائلة صالح. وكان مصدر في وزارة الداخلية قد نفى هذه «الادّعاءات»، مشيراً إلى أن «وسائل إعلام العدو تعمل وبشكل منظّم لترويج مثل هذه الأكاذيب لإثارة الفتنة الداخلية، بعد أن استطاعت الأجهزة الأمنية إخمادها».

وفيما تضاربت المعلومات بشأن أقارب الرئيس السابق، كشفت قيادات وشخصيات من حزب «المؤتمر»، أمس، بعض المعلومات عن أبرز الأسماء التي انقطع الاتصال معها منذ الأحد. ونعت عضو اللجنة الدائمة في «المؤتمر» حنان حسين، على حسابها في «فايسبوك»، ابن أخ الرئيس صالح، طارق محمد عبدالله صالح، وقالت إن الأخير قُتل قبل عمّه بيوم، مشيرةً إلى أن «الزعيم علي عبدالله صالح، وبقية أفراد الحراسة المتواجدة أثناء الحصار والمقاومة أدوا الصلاة على جثمانه الطاهر في جامع الثنيّة».

وأضافت حسين أن «مصير صلاح، نجل صالح، واللواء محمد عبدالله القوسي، لا يزال مجهولاً»، في حين «تعرّض العقيد الركن محمد عبدالله صالح لإصابة بشظية من صاروخ في الكبد، أسعف على إثرها للمستشفى الألماني، ومعه الرائد أحمد الرحبي... اللذين تم اختطافهما من قبل الحوثيين»، وهو ما نفاه رئيس «اللجنة الثورية العليا».

وفي هذا السياق، كشفت مصادر من أسرة صالح، لمواقع إخبارية متابعة للشأن اليمني، «انقطاع أخبار أولاد صالح وأبناء أخوانه منذ بدء المعارك يوم الأحد»، مشيرة في المقابل إلى أن «مسؤول الأمن القومي السابق عمار محمد عبدالله صالح يقيم في سلطنة عمان، إضافةً إلى كنعان يحيى صالح ووالدته بلقيس علي عبدالله صالح».

وغير واضح حتى الآن ما هي التركيبة السياسية الجديدة في العاصمة، وما هو مصير حزب «المؤتمر الشعبي العام» بعد مقتل زعيمه. ولكن رئيس «المجلس السياسي الأعلى» صالح الصماد، طمأن، أمس، كل القوى السياسية، لا سيما «المؤتمر»، إلى أن ما حدث في الأيام الماضية «لن يؤثر على سياسة التعاون بل سيعززها»، داعياً كل موظفي الدولة إلى «الاستمرار بعملهم والالتزام بدوام العمل». وأكّد في كلمة متلفزة أن الجمهورية اليمنية وكافة مؤسساتها أصبحت «أكثر صلابة ومتانة بعد إسقاط هذا المخطط»، معلناً أن الدولة ستشهد «نقلة نوعية على مستوى الخدمات والاصلاحات الإدارية والمالية».

ويتناقض تصريح الصماد مع توقعات الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط الذي حذّر، أمس، من «انفجار الأوضاع الأمنية» في اليمن عقب مقتل الرئيس السابق، داعياً «المجتمع الدولي، وبخاصة القوى المؤثرة فيه» إلى «العمل على تخليص الشعب اليمني من هذا الكابوس الأسود»، في إشارة إلى «أنصار الله» التي وصفها بـ«منظمة إرهابية تُسيطر على السكان بقوة السلاح».

لكن صنعاء، حتى الآن، اجتازت اختبار الفتنة. والسلطة لم تنهر على الرغم من خسارتها أحد أعمدتها الرئيسية، صالح. وهي يوماً بعد يوم تواصل مواجهتها قوى العدوان وحيدة في ظل تماسك جبهتها الداخلية.

 

المصدر : الأخبار اللبنانية