العلاقات السعودية الأمريكية تصل لذروة التوتر

 

 

تعيش العلاقات الأمريكية السعودية، التي تشهد تدهوراً لم يحدث منذ عقود من التحالف الاستراتيجي بين البلدين، أياما حاسمة إثر قانون أمريكي منتظر بشأن هجمات 11 سبتمبر الذي يشير الكونجرس الأمريكي أن السعوديين كانوا على ارتباط بها.

وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير اليوم الاثنين إن بلاده حذرت الولايات المتحدة من أن مشروع قانون أمريكي مقترحا من شأنه تحميل السعودية المسؤولية عن أي دور في هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 قد ينال من ثقة المستثمرين من مختلف أنحاء العالم في الولايات المتحدة.

ونفى الجبير في حديثه للصحفيين في جنيف بعد محادثات مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري تركزت بالأساس على الأزمة السورية أن تكون السعودية قد “هددت” بسحب استثماراتها من الولايات المتحدة.

وقالت صحفية نيويورك تايمز الشهر الماضي إن حكومة الرياض هددت ببيع أصول بقيمة تصل إلى 750 مليار دولار إذا ما أقر الكونجرس الأمريكي مشروع قرار ينزع الحصانة من الحكومات الأجنبية في قضايا تتصل “بهجوم إرهابي يقتل فيه أمريكي على أرض أمريكية.

من جانبه قال رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) جون برينان أنه ضد نشر الوثائق السرية التي قد تكشف المتورطين في هجمات 11 سبتمبر من أجل الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن والرياض.

ففي مقابلة تلفزيونية لقناة NBC الأمريكية اليوم الاثنين 2مايو/أيار قال برينان “ان التقرير الذي يشير الى تورط سعودي في هجمات 11 سبتمبر ما تزال أولية ولم يتم التحقق منها”.

وأضاف برينان “أنه بنتيجة التحقيق في الهجوم فحصت اللجنة المعنية جميع البيانات وتوصلت إلى استنتاج قاطع أنه ليست هناك أدلة على أن الحكومة السعودية أو أحد ممثليها الرسميين قدموا مساعدات مالية لتنظيم القاعدة”.
وكان أفيد في أوائل أبريل/نيسان بأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، سيتخذ قرارا خلال 60 يوما بشأن نشر حزمة من الوثائق السرية حول التحقيق في هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة. ويجري الحديث على وجه الخصوص حول 28 صفحة، يقال إنها تظهر دعم بعض المسؤولين السعوديين لمنفذي الهجمات.

تصريحات برينان اعتبرها الكاتب العربي عبدالباري عطوان ابتزازاً امريكياً للسعودية ان “كلام برينان هذا يناقض نفسه، فاذا كان ما قاله عن عدم وجود اي ادلة على تقديم الحكومة السعودية، او ممثليها اموال للمتورطين في الهجوم، صحيحا ومؤكدا، فلماذا يتحدث اذا في فقرة سابقة على ان نشر هذا التقرير كاملا يمكن ان يلحق ضررا بالعلاقات السعودية الامريكية؟ انه تلاعب بالكلمات والاعصاب المراد منه توجيه رسائل مبطنة الى الرياض تحديدا”.

ورأى عطوان ان “عملية “الابتزاز″ للمملكة العربية السعودية بدأت عندما اعلن اعضاء في الكونغرس عن نواياهم اصدار تشريع يدينها، اي المملكة، بالتورط في هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، التي ادت الى مقتل ثلاثة آلاف امريكي، كانوا يعملون في برجي مركز التجارة العالمي، ويفرض نشر محتوى تقرير اللجنة المستقلة في هذه الهجمات، بما في ذلك 28 صفحة جرى طمس سطورها باللون الاسود، ودارت تكهنات عديدة بأن السعودية مذكورة فيها”

من جانبها نشرته وكالة “سبوتنيك” للأنباء تقريراً تناولت فيه تدهور العلافات الامريكية السعودية وقالت انه “في عهد الملك سلمان اتخذت السعودية سياسة خارجية حازمة بينما كانت واشنطن غير راضية عن الحملة العسكرية السعودية في اليمن وتدخلها بشكل أكبر في الصراع السوري وهما القضيتين اللتين صبتا في صالح تنظيم القاعدة الإرهابي الذي يقف وراء هجمات 11 سبتمبر/أيلول”

وكان العضو السابق في مجلس الشيوخ الأمريكي، بوب غرام، قد أعلن أن واشنطن تنوي الكشف عن معلومات سرية من تقرير اللجنة الخاصة للتحقيق في هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2011، الصيف القادم.

وقال غرام، الذي كان يقود عملية التحقيق في ملابسات المأساة، في مقابلة مع قناة “إن بي سي”، يوم الأحد 24 أبريل/نيسان: “ذكر مساعدو الرئيس (الأمريكي باراك أوباما)، أنهم سيتخذون القرار في هذا الشأن قبل يونيو/حزيران المقبل، وآمل في أن يظهر قرارهم احتراما لجميع الأمريكيين، وأن يتم نشر المواد”.

قصة الـ28 صفحة:

على الرغم من التحالف القوي والممتد بين الولايات المتحدة والسعودية، ما تزال بعض الأوساط الأمريكية تطرح تساؤلاتٍ حول وجود علاقة لمسؤولين سعوديين بما حدث في أحداث 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية في الولايات المتحدة، رغم أن التحقيقات الرسمية للحكومة الأمريكية لم تشر إلى وجود أي تورط سعودي في الأحداث، إلا أن تقريرًا مكونًا من 28 صفحة تم تقديمه للكونغرس عام 2002 -وظل سريًّا منذ ذلك الحين- قد يكشف وجود علاقة وثيقة للسعودية بالأحداث.
وفي الوقت الذي بقي الأمر محل شك كبير، عادت قضية ذلك التقرير إلى السطح مجددًا هذه الأيام، مع مطالبات أكثر قوة لإظهار الحقائق الموجودة به، والتي يؤمن البعض أن خطورتها قد تتجاوز أحداث 11 سبتمبر (أيلول) وتمتد لأمور أخرى. يعرض تقرير الكاتب الشهير ماكس فيشر على موقع Vox الأمريكي جميع المعلومات المتاحة بشأن ذلك التقرير السري.


ما هي هذه الصفحات السرية؟


تبدأ القصة في عام 2002، تم تقديم تقرير شامل للكونغرس عن أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، في الوقت الذي قامت فيه إدارة بوش بحجب دائم لجزء من التقرير مكون من 28 صفحةً تشير إلى تورط محتمل لشخصيات حكومية سعودية بالهجمات، ومنذ ذلك الحين، أثير الجدل حول الإعلان عن محتوى هذا الجزء من التقرير، قبل أن يعود بقوة مؤخرًا، بحسب ما ذكره فيشر.


يرى فيشر أيضًا أن الآراء في الولايات المتحدة فيما يتعلق بالإعلان عن تفاصيل التقرير ما زالت متباينة للغاية، ففي الوقت الذي طالبت فيه بعض أسر الضحايا منحها الحق في مقاضاة السعودية، كانت مثل هذه الإجراءات مخالفة للقانون الأمريكي، إلا أن الكونغرس يناقش حاليًا مشروع قانون يسمح لهؤلاء بمقاضاة السعودية لتورطها في الأحداث.


آراء الخبراء أيضًا حملت الاختلاف ذاته بحسب تقرير موقع Vox، ففي الوقت الذي صرح فيه بعض أعضاء الكونغرس الذين سبق لهم الاطلاع على التقرير (لا يحق لهم الإدلاء بأية تصريحات حوله)، بأن التقرير قد يحمل إدانة محتملة، في حين صرح أحد أعضاء الكونغرس لصحيفة نيويوركر الأمريكية بأن المهم في هذا الأمر هو كشف ما إذا كان هناك علاقة للعائلة الملكية بالأمر، أم أن الأمر دون ذلك، وما إذا كان هناك أمور أخرى متعلقة قد حدثت فيما بعد.


نقل قيشر تصريح بوب غراهام، وهو المسئول حاليًا عن الإعلان عن تلك الوثائق، في فبراير/ شباط الماضي قائلًا إن التقرير يتعلق بتمويل العمل الإرهابي في 11 سبتمبر، وأن أصابع الاتهام تشير بقوة للسعودية كممول رئيسي.


فيما يظن مسؤولون آخرون في الولايات المتحدة أن تلك التحقيقات كانت متضاربة، وأن التحقيقات اللاحقة قدمت الكثير من الانتقادات لتلك النظرية، كما حذروا من أن الإعلان عن هذا التقرير سيخلق مناخًا من الاتهامات قد يقضي على العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، والتي أصبحت هشة بالفعل في السنوات الأخيرة.
في الوقت نفسه، يرى فيشر أن إدارة أوباما تسعى إلى إسقاط مشروع القانون الجديد الذي يناقشه الكونغرس بشأن مقاضاة السعودية، وهو القانون الذي هدد مسؤولون سعوديون في حال صدوره ببيع أصول داخل الولايات المتحدة تبلغ قيمتها 750 مليون دولار. ويرجح فيشر أن هذا التقرير والقانون الجديد كانا أحد الموضوعات الأساسية في المناقشات بين الرئيس الأمريكي، وبين العاهل السعودي.


ما الذي نعرفه عن علاقة السعودية بأحداث 11 سبتمبر (أيلول)؟


بحسب التقرير، لدى السعودية تاريخ طويل من دعم الجهاديين والحركات الجهادية، كما حدث في الثمنينات في أفغانستان أثناء الحرب على السوفييت، حيث دعمت السعودية –بمساعدة أمريكا أيضًا- مجموعات جهادية عربية اتجهت للقتال في أفغانستان، كان أبرز قادتها أسامة بن لادن، والذي وقع في خلاف مع بلاده في التسعينات، جُرّد على إثره من جنسيته.


مترجم: عن رواية مختلفة لقتل «بن لادن» والسؤال الذي لم يجب عنه «سيمور هيرش»


وفي الوقت الذي عارضت السعودية اتجاهات ابن لادن، كانت واحدة من ثلاث دول فقط اعترفت بحركة طالبان، وفقًا للتقرير. ويشير فيشر أن سجل السعودية الداعم للجهاديين أثر في إثارة شكوك الأمريكيين حول وجود علاقة محتملة للمملكة بهجمات 11 سبتمبر، ما قاد واشنطن لإجراء تحقيقات حكومية حول هذا الأمر بخلاف تقرير الكونغرس، إلا أن تلك التقارير أشارت في ملخصها إلى عدم وجود دليل على ضلوع الحكومة السعودية في تلك الهجمات.
أشار ملخص أحد التقارير، والذي عمل فيه بعض ممن عملوا على تقرير الكونغرس الذي يتضمن الصفحات المثيرة للجدل، إلى الآتي «على الرغم من الاعتقاد السائد بأن السعودية كانت لفترة طويلة الممول الرئيسي لتنظيم القاعدة، إلا أننا لم نجد دليلًا على تورط الحكومة أو جهات تابعة، أو حتى مسؤولين بارزين في تمويل التنظيم».
ويشير التقرير إلى أنه في يونيو/ حزيران الماضي، أصدر مكتب المفتش العام لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية نتائج تحقيق داخلي أجرته الوكالة في 2005، تناول الفشل الاستخباراتي قبل أحداث 11 سبتمبر، وقد كان الجزء الأخير من التقرير بعنوان «أمور تتعلق بالسعودية»، وهو ما أثار التساؤلات من جديد حول الأمر، حيث تم حجب المعلومات الواردة في هذا الجزء باستثناء ثلاث فقرات فقط ذكر فيها أن التحقيقات تبدو غير حاسمة، وأنه حتى الآن لا دليل واضح على علم، أو نية السعودية، أو تخطيطها للهجمات التي نفذها تنظيم القاعدة.