مسيرة القدس العالمية، أول الحلم خطوة!

في سنوات الانتفاضة الغاربة كان للثلاثين من آذار كلّ عام نكهته الخاصة، وكان كغيره من أيام دفتر الذكريات الفلسطيني محطة تصعيد يشتدّ فيها وهج الانتفاضة، ثم ما لبث أن تحول إلى مجرد يوم عابر كغيره من الأيام، خصوصاً مع احتشاد الأجندة الفلسطينية بيوميات لا حصر لها تؤرخ لمناسبات كثيرة بات يصعب استقصاؤها وإحياؤها.
وقد أحسنت الجهات القائمة على مسيرة القدس العالمية حين جعلت من يوم الأرض موعد انطلاق مسيراتها التي ستشمل معظم أنحاء العالم، وسيكون عنوانها القدس، مع كل ما تعنيه قضيتها من رمزية وعنوان جذب مركزي يهمّ الأمة بأسرها، ولا يقتصر على جنس أو لون أو ديانة.
إن الاتجاه لتنظيم فعاليات عالمية في يوم أو أيام محددة لإحياء قضية بوزن القدس هو خطوة كانت مطلوبة منذ زمن، وإن فعالية تجمع الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم وتوحّد اهتمامهم وتحركهم لأجل قضية واحدة هو أمر يعني وسيعني الكثير في ميزان الثوابت والحقوق التي لا تقبل التبديل، والتي تظلّ محلّ إجماع لدى عموم الفلسطينيين في الداخل والخارج بغضّ النظر عن تقلبات السياسة أو رداءة مسارها.
وأن يتجاوز الحشد لهذه الفعالية حدود الفلسطيني ليحلّق في آفاق عربية وإسلامية وعالمية، فهو أمر باعث على الاطمئنان إلى أن هناك جهات وتيارات كثيرة قد فطنت إلى ضرورة توفير بديل عملي لدعوات التطبيع تحت حجّة حثّ العرب على زيارة القدس، ذلك أن زيارة القدس والمسجد الأقصى وهما تحت الاحتلال لن يسهم إلا في إنقاص الشعور بمأساتهما، والتحول عن استشعار الأمة واجبها الأهم تجاه القدس، وهو واجب التحرير لا المواساة. أما إحياء قضية القدس في نفوس الأمة فلن يتحقق من بوابة التكدس أمام السفارات الصهيونية لاستجداء تذكرة زيارة لها، بل بالاتجاه نحو تمتين أواصر القطيعة مع هذا الكيان بكلّ متعلقاته، واجتراح آليات عملية لنصرة القدس تحدث استنهاضاً لوجدان الأمة وتبعث في نفوس أجيالها الجديدة العزم والأمل، والدافع لإبقاء القدس محلّ اهتمامها.
مسيرة القدس العالمية، لن تكون مسيرة تحرير بطبيعة الحال، لكنها تحمل بذوره لتنثرها في الأرض كما في العقول والقلوب، وهي لن تصل القدس فعلا، لكنه ستطرق أبواب أسوارها، وستجلي عنها شيئاً من غبار التهويد والحصار، وهي فوق ذلك محاولة لتجييش نبض أبناء الأمة وتوحيد طاقاتهم نصرةً لقضاياهم محلّ الإجماع، فضلاً عن نجاحها في إثارة زوبعة القلق والتخوّف لدى حكومة الاحتلال، الذي لم يجد مفراً من التذكير بأنه لن يسمح باجتياز الحدود ولا الاقتراب من حواجزه، وسيقمع محاولات الإخلال بأمنه، ولذلك كان طبيعياً ومتوقعاً أن يعمل على إرباك غزة وإغراقها بمشاكل الحصار والكهرباء وشح الوقود، وهي التي قصدتها الجهات القائمة على مسيرة القدس العالمية لتعلن منها عن انطلاق الحملة!
نتمنى أن تكون مسيرة القدس محطة جديدة تضاف إلى سجل الإنجازات العملية المبذولة لأجل القدس بشكل خاص وقضية فلسطين عموما، وأن تنجح في محاكاة تجربة مسيرات العودة في الخامس عشر من أيار قبل عام، وأن تشهد مشاركة أوسع وأكثر كثافة، خصوصاً وأن عصر نهوض الأمّة ما زال يبشّر بقدرتها على صناعة التغيير، والذي لن نشكّ بأنها ستمتلك مفتاحه بعد خلاصها من طغاتها واستقرار أوضاعها الداخلية.

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
15 + 3 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.