الثورة والرقص على مثلث برمودا ...!

لان كُل من العنيد والمنشق والقبيلي مقصدهم من حيث النشأة والتكوين جاء بعيد عن الوطن والدولة المدنية ... فقد ساد الغموض كلا من العناوين والاحداث الراهنة وبالرغم من منهجية آلية المبادرة..!! حتى صار من الأرجح باننا قادمون على ربيع يمني مليء بالمغامرات والصراع على مسرح يغص بالضباع المُسخرة والمُجندة ! ، بينما نحن معشر الشباب يعصرنا القلق وينتابنا الأمل مراوحين من نصر إلى لغز إلى وهم إلى المجهول ، حتى صرنا أشبه بهذا الجيل الشبابي الذي يهتف مستبسلاً للفاتح " ميسي " والخليفة " كريستيانو" في دوري ليس لهم فيه لا كأس ولا علم !!
 
صالح ومحسن وحميد ثلاثي حاشدي جسد بامتياز حصري مثلث النظام وبرمودا الفساد على امتداد التاريخ المعاصر للنظام السياسي والاقتصادي اليمني قبل وبعد دولة الوحدة ، فثلاثتهم خاضوا عام عصيب من الصراع والحرب القادمة على شرف الشباب وبورصة الربيع العربي المريبة ، وفي حرب رقص فيها الثلاثة بحذر شغوف على أغاني المرحوم علي الإنسي " نحن الشباب " و سمفونيات الصندوق و الانتقال السلمي .
حرب دامية مجنونه لم يحكمها أي رادع وطني او دافع ثوري حقيقي باستثناء وازع وحيد تمثل بقاعدة " إرحل بجلس بدلك !" و بعقلية تمتعت بدهاء المُنطلق والعنوان و غباء المنطق والرهان، عقلية تسللت ساحات التغيير ثم تأسدت حتى عصف التصورات وضللت الوعي وروح التغيير لدى كثير من ابناء اليمن وشباب التغيير الغير محصنين بالضرورة من مكائد و والاعيب سحرة وكُهان مثلث البرمودا !
 
عام من الكرنفالات والاحتفالات والحروب والجنائز المُعلنة على شرف الشباب و حُلم التغيير والمحصلة لا شيئ ..! سوى صراع في نظام مقسوم يأكل نفسه ، و قتال بين مضلعاته الثلاثة التي أدركت بانها لن تبقى إلا ببقاء هيكل النظام ولن تستمر إلا بتغيير وجهه ، و هذا الوجه الذي بدوره لم يترك الفرصة سانحة لحلفائه الأعداء كسياسي يجيد الرقص على رؤوس الثعابين و مناور بارع في توجيه البورصة الدولية للربيع العربي .
حركة شبابية وطنية جاءت في فبراير ثم صراع حزبي على أثرها في مارس مروراً برهان أقليمي على اساس مصيدة " المبادرة " في أبريل و وصولاً إلى حرب دامية امتزجت فيها دماء الشباب مع لُعاب الإخوان .. فمر الربيع دون حسم ثوري لسبب بسيط تمثل بوأد الروح الثورية التي انجبها الشباب واجهضتها الاحزاب بثقافة رخيصة ملئها النواح والاحقاد ! مما جعل الاحتقان والفشل يصل بمشهد الصراع إلى واقعة مفصلية سقطت فيها الاقنعة والعناوين و حتى أوراق التوت !!
 
فكانت حادثة جامع النهدين الكارثية والمجسدة لسابقة سياسية تتمثل في " أغتيال الدولة على صرح الدين " لتكون هي الورقة الوحيدة المتاحة في ظل مُخطط الوهم الثوري وقاعدة الصراع المتاحة للمثلث والتي بدورها نجحت في الضربة وفشلت في حصد المرجو والمراد الأهم ! وبكلمة من السماء لم يُقتل صالح ولم تتوفى السلطة بل ولم تبقى المواقف الدولية ومؤشرات البورصة كما كانت ، وبقدر ما انكت الضربة صالح بقدر ما جاءت المحصلة سلبية ودرامية بصورة خدمت صالح نفسه وغيرت من منطق اللعبة و خطاب الثورة .
ففجأة وجد المثلث نفسه مشلول في ظل مجتمع دولي وشعب مقسوم وهائج حطم قيود الصمت وينتظر حتمية التغيير ، مأزق ثلاثي عميق يستعصي الحل ولا يقبل الجمود فهذا لم يعد قادراً على نصر الثورة وذاك بات عاجزاً في فرض وإعادة الدولة في مسرحية " الشعارات" .
 
فكانت " المبادرة " السابقة هي الورقة الوحيدة والمتاحة لرأب المغامرة المجنونة التي جعلت اليمن يقف على مشارف الخروج من التحكم والسيطرة على المستوى المحلي والدولي وصوب الحرب والمجهول ، بل وبدت كافة تحفظات صالح السابقة وتمسكه بالانتقال السلمي هو المبدأ الاساسي للحيلولة دون مواصلة الصراع الذي لم يعد يحتمل أكثر من الرد بالمثل واستهداف الجماجم وسقوط الهرم والمعبد على الجميع !
وجاءت المبادرة كطوق نجاة للجميع وبدأت ألاذرعة الحزبية للمثلث تهيمن على الساحات والخطاب بصورة لم تعد تحتمل اي حضور لأي مبدئ تغييري وطني وبدأ التحكم والتضليل وتغيير مسار الداعي الوطني بعيداً عن احلام الناس وتطلعات الشباب وصولاً إلى مسرحية الانتخابات العليا التي جاء بها حزب الاصلاح لينصب " المجلس الوطني " السالب رسميا لصوت وإرادة و رؤية الشباب في أغسطس ـ رمضان الماضي ، بل وتم محو الشعار الاساسي " الشعب يريد إسقاط النظام " إلى شعار " الشعب يريد بناء يمن جديد " ويا لتزييف الإخوان يمن جديد بنفس الوجوه والعقول القديمة في مسرحية يتقيأ لها الشاهد والتاريخ !
 
ذهب الجميع لتوقيع "الآلية" وكانت بمثابة مبادرة بعد النهدين وقرار مجلس الأمن 2014 الذي جاء اكثر حكمة وقسوة على من راهن على تدخل دولي، و تم التوقيع على المبادرة ثم تقاسم الحكومة ونفذت رؤية الانتقال السلمي واستلمت احزاب المشترك نصف زمام الحكومة ورئاستها و وصولا إلى الانتخابات التي جاءت برئيس شرعي جديد " هادي " وسريعاً بدأت المرحلة الثانية من المبادرة بتجلي ذراع القاعدة ونفوذ الحوثي !
سيرة من الاحداث تجعلك أقرب من مشاهدة فيلم هوليودي دامي يقتل فيه الكثير ولا تموت الأبطال !! ولكن المرحلة الثانية الراهنة من المبادرة تحمل استحقاقات جادة هي الأكثر تأثيراً في توجيه محصلة الصراع النهائية بين أطراف المثلث كما انها تفتح آفاق لم تكن ضمن المخطط فيما قبل الثالث من يونيو ونهاية نوفمبر ... مرحلة تحمل قضايا من الحجم الثقيل لأوزان النظام فهناك هيكلة للجيش اليمني وهناك حوار وطني سوف يشارك فيه أطراف تجر من نفوذ المثلث كالحراك والحوثيين والشباب المحجوز سلفاُ بقبضة الإخوان .. ناهيك من انتخابات برلمانية ورئاسية شاملة ستختتم فيها المرحلة يعتقد الجميع بانهم اضعف مما كانوا عليه ويسعى كل طرف إلى قتل حزب الأخر وفي وجبة للضباع الاستفراد مستقبلاً بالسلطة ...!
 
واقع لصرع بلا أي وازع وطني و الجولة الحالية التي نقف أمامها لنقرأ تملص و تحرش في تفسير المبادرة ذات الآلية الواضحة وتسخير الخطاب الثوري صوب الهيكلة وأبناء صالح والتمادي المخجل في التحكم في مصير المؤتمر الشعبي العام والمطالبة بخروج الرئيس " هادي " من صفوف المؤتمر الشعبي العام! تحمل من البصمات الكثير .
ويملئك المشهد بالتفاصيل والتناقض في هذه المرحلة وينشر الجميع الغسيل ..! وصولاً إلى انقلاب المشهد في الذكرى الأولى لشهداء الكرامة والذي تجسد بحفل مأتمي مهيب من قبل الاصلاح مليئ بنبرة العويل والبكاء في ظل قرارت رئاسية لفخامة منصور تحقق التعويض وبعض المواساه ، ليفاجئنا القيادي الاصلاحي " علاو " خلسة بتسريبات عن اختفاء مجرمي وقتلة شهداء الكرامة "المحتجزين لديهم" وبانه قد تم تسليمهم للسجن الحربي وقيام صالح بتهريبهم من السجن !! بينما على الطرف الآخر كانت مفاجأة كبيره من قبل حزب المؤتمر و يحيى صالح عندما طالب بنبرة من التحدي بتسليم وإظهار قتلة الكرامة !! وصولاً إلى تصريح رئيس الوزراء الذي اتهم فيه نظام صالح بقتل الشهداء والرد على ذك بسحب صالح لوزراء المؤتمر من حكومة الوفاق مطالبين باسندوه بالاعتذار أو الاقالة ، ليفاجئ البركاني بعد ذلك مجلس النواب بمطالبته بتشكيل لجنة تحقيق في جريمة الكرامة و محرقة تعز وتسليم القتلة للشعب لاقياً اقتراحه رفض شديد من قبل كتلة الاصلاح !!
 
لن اطيل في استشفاف عورات المرحلة ، ولكن الأهم هو أدراكنا الحقيقي بان الصراع باقي في ثنايا النظام وفي إطار مثلث برمودا المصاب بالرهاب والفوبيا من المصير في ظل بقاء صالح قويا خارج السلطة ، وبأن هذا المثلث لن يتنازل عن تسخير الخطاب الثوري والشبابي لتقديم ما يحاول أن يحارب به صالح وذلك ليس لتحقيق وهم الثورة أو تعزيز التغيير بل للاحتماء و تعظيم المكاسب السياسي من خلال إعادة ترتيب القوة السياسية في النظام لصالح طرف قبل الدخول إلى مؤتمر الحوار ليتمكن من صياغة النظام والدستور الذي يتلائم مع بقائه طويلاً على قلاع الحكم !
إن الغموض والضباب الذي يسود في مرحلتنا الراهنة ليس إلا محاولات شبقة للسلطة وبهدف تغليب نصف نظام على الآخر وباتجاه محصلة ما لو تحققت لأي طرف لكانت حركة شباب التغيير و التأييد الشعبي المنقسم بين الثورة والتغيير وحفظ الشرعية ورفض ثقافة القبيلة والمؤامرة هما الخاسر الوحيد في وطن مذبوح بين الوهم والألم !
 

وعلى الشباب الحر الوطني المستقل وابناء الشعب المخلص بان يدركوا بان مشروع الصراع القادم والمصاغ بالحرب على المؤتمر ورئيس الجمهورية المنتخب او السقوط في فخ الارتماء إلى الطرح الحوثي ليس إلا العودة إلى الحرب وعقلية النظام السابق سواء بانتصار صالح أو محسن أو حميد .
أن اليمن يواجه مرحلة حرجة وعلى الجميع ان يحمل وطنيته لليمن الموحد وللنظام الديمقراطي وللجيش القوي الواحد والمحايد ولنعلم بان أحزابنا السياسية تحتاج إلى التعديل والاصلاح لا للحل والالغاء وبعيداً عن سحرة وكهان مثلث برمودا .
 
فبقاء المؤتمر بعد إصلاحه مهم بقدر هيكلة الجيش وتحييده و إلا فسينتهي التوازن السياسي والاساسي للوصول إلى آفاق افضل نحو الدولة المدنية ، بل وبدونه سيتحول المشهد السياسي إلى قطبية ديناصور بحجم الاصلاح المسخر كلياً و مع قطيع من الاحزاب اليسارية والقومية المنقسمة و الغارقة في عقلية ما قبل القرن الحالي " للأسف المخجل ".
ببساطة يا رفاقي أن الثورة ليست حاضرة والتغيير ليس إلا تحول في هيكل وبنى قوى النظام ذاته و أن حجم التحديات والمخاطر والتضليل وتسخير صوت الثورة والشباب يدعونا إلى استعادة المشهد بروح وطنية و وعي ثوري يتذكر لماذا قصدنا الساحات رافعين علم اليمن وأحلام الناس المذبوحة بين أهوال برمودا !!
فمن أراد الثورة من اجل اليمن فاليمن أكرم والله نصير ، ومن أرد الثأر لأجل حزبه او شيخه أو مموله فثأره بلا وطنولا تغيير ولا ثوره وإن ملاء الشاشات والساحات بكائاً وسبابا ! .
وليحمي الله الغفور بلدته الطيبة .
 
عادل الربيعي : قابلة للنشر بلا تعديل ..!! ولا يفوتني شكر الاخت المناضلة والثائرة بامتياز/ بشرى المقطري على مقالتها الاخيرة عن هيكلة الثورة و التي قدحت بها شرارة مقالتي هذه.

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
1 + 5 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.