حقيقة ملغومة

حين بدأت الثورات العربية الشبابية في مصر و تونس و من ثم اليمن و ليبيا و البحرين و سوريا .. اعتقدنا بأننا أمام اعصار سيقتلع كل الأنظمة العميلة لأمريكا و الحارسة لأمن إسرائيل ..
غير أننا سرعان ما وجدنا تلك الأنظمة الملكية الأكثر استبدادا و الأكثر حراسة لإسرائل تسيطر و معها أمريكا على مسارات تلك الثورات و تتحكم في تحركاتها و تحدد مخرجاتها و توجهها الى إعادة انتاج انظمة جديدة تحت اشراف أمريكي يضمن تأمين وجود اسرائيل في المقام الأول .. أو تصفية حسابات مع خصومها السياسيين باسم الثورات ..
و ما يحدث في بلدنا اليمن من تدخلات فجة و فاضحة ابتداءا من تمرير المبادرة و صولا الى التدخلات اليومية المعلنة في شئون سيادية مثل : مناقشة هيكلة الجيش – آليات عمل الحكومة – تمرير تشريعات – إدارة الاقتصاد و تحريكه ..... الخ .. يثبت ان الثورة أصبحت أسيرة و متعثرة أمام قوة و سيطرة هذه التدخلات .. و أننا أمام هنددسة أمريكية سعودية خليجية لبناء نظام جديد لا يشكل قلقا للوجود الاسرائيلي و لا يتبنى أي موقف جاد تجاه القضية الفلسطينية ..
طبعا ذلك هو أهم ما يهدفون اليه من خلال التحكم في الثورات و ليس كل الهدف ..
المنطق الذي تنازل عن دماء شهداء الثورة و محاكمة القتلة و المفسدين طوال فترة حكم صالح لليمن و أعطاهم حصانة تحت ذريعة تجنب الحرب و إراقة الدماء .. هو نفسه المنطق الذي تنازل عن فلسطين لصالح المحتل و نسي تضحيات شهداء و مشردين و شعب يقتل كل يوم .. و هو نفسه المنطق الذي لا يزال يقدم التنازلات تلو التنازلات للمحتل و للوجود الأمريكي الداعم له و لتدخلاته في شئون الأمة و تحت نفس الذريعة ..
و كنا نتمنى من أولئك الذين يبذلون قصارى جهودهم و يسخرون أموالهم و إعلامهم و بكل حماسة في المطالبة بتشكيل قوة عسكرية عربية لوقف العنف في سوريا و ايقاف نزيف الدم السوري كما يقولون .. ان يبذلو و لو قليلا من الجهد و الحماسة للمطالبة بتشكيل قوة عسكرية عربية لوقف نزيف الدم الفلسطيني و لو لمرة واحدة في تاريخهم المليء بالتنازلات و الانبطاح و لو من باب " الهنجمة " على اسرائيل ..
غير أن الحقيقة التي نتحاشى الاقتراب منها وكأنها ملغومة ان هذا التدخل الأمريكي الخليجي في شئون الثورات العربية و اصرارها على رسم مساراتها و التحكم في مخرجاتها ليس إلا خوفا من أن تنجح الشعوب العربية في استعادة كرامتها و عزتها و استقلال قراراتها من الوصاية و الهيمنة الأمريكية على مقدراتها و في المقام الأول حماية لأمن إسرائيل و ضمانا لعدم نشوء أي قوة عربية ممكن أن تقلق الوجود الصهيوني في المنطقة و نفوذه الذي يتحكم في كل القرارات السياسية و الاقتصادية داخل الأنظمة العربية و يعبث بالوعي و الهوية الثقافية و الاجتماعية و الدينية داخل المجتمعات أيضا .

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
9 + 2 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.