جلادون وضحايا

المهمة الرئيسية للحوار هي بناء دولة حقيقية, مدنية حديثة، ديمقراطية، وبناء دولة يحتاج لوضع أسس قوية، بناء على مواصفات صحيحة وواقعية وحقيقية، تتلافى أخطاء الماضي، وهذا أمر بديهي ومتفق علية نظريا، لكن البعض ربما يستكثر على غيره ذلك فيسعى لاستباق المخرجات، العامة بفرض عوامل الأمر الواقع، وتلافي التشخيص الصحيح، ودراسة الأسباب بجدية، يساعده في ذلك التركيبة السياسية القائمة واختلاط التقليدي بالديني، بالتقدمي، وسوء الإدارة والتخطيط داخل المؤتمر من ناحية أخرى، ولعل هذا أبرز تحديات المؤتمر .
أولويات الحوار، وطريقة سير أعماله لا توحي كثيرا بالتفاؤل، والبعض يطرح تساؤلات بديهية، وهو لا يعلم أن عضو الحوار صار كلا في جزء من جزء من جزء بالحوار، وأن الإحاطة بكل ما يدور أحيانا داخل فرقة صعب، ناهيك عما يدور داخل الفرق الأخرى، في حوار عمليا مفصول عن الاهتمام الشعبي، وغير معول عليه شعبيا رغم الهالة الإعلامية الواسعة حوله، وقيادة المؤتمر تعلم ذلك لذا نجد أن، الأمانة العامة للحوار، كشفت عن برامج للنزول الميداني، إلى بعض المحافظات، ليس بهدف أنجاز مهمات الفرق، ليس للوقوف على طبيعة مهامهم وبرامجهم ومحاورهم، بل للترويج شعبيا لمؤتمر الحوار، وكسب التأييد والثقة، لمخرجاته ونتائجه المجهولة، وبناء على هذا، قررت الأمانة العامة ومموليها ندوة بعدن، وورشة بتعز، وزيارة لصعدة، ورأت أن هذا يصلح هنا وتلك هناك، وكأنهم يضعونهم بمواجهة قسرية ومهام محددة تم اعتمادها لهم، وتحديد المكان والزمان والشخص، على غير ما كان يحكى ويردد، رسميا بالحوار، الذي حولته برامج الأمانة العامة وخبراؤها ومراقبيها إلى ورشة عمل طويلة، تحسن فيها استغلال الجوانب الشخصية .
والغريب أنه يفترض الانتهاء من جدول الأعمال خلال 3 أسابيع، فيما البعض لم يتجاوز وضع الخطة، وما أن تضع يدك على الخطوة الأولى، تبدأ اللخبطة، ويقال لا طبخات ولا كولسة، ولا يصح ترديد هذا الكلام !!
الحكومة القادمة واختيار أعضائها، ليست بعيدة عن الحوار، والتسريبات والترشيحات تتقافز بالصحف، بينما الهمس يدور، ولكن لا شيء رسمي ولا أحد معني، ولا تعرف لما يدور حوار عن ذلك بأي مستوى حواري، لما لا يطرح من الحوار معايير بعيدا عن المحاصصة، طالما الحكومة يجب أن تتناغم مع الحوار، ولا أجد الدخول بالحكومة مغريا الآن بل مجازفة، لمن هم خارجها،ويجب أن يحافظوا على غيابهم، باشتراط معايير وبرامج، وتكون حكومة كفاءات حقيقية، الظريف وسط هذا كله أن تسمع أحدهم وهو يعبر عن طفشه من قصة الحكومة بالقول: مواصفات التعيين والاختيار تأتي من الخارج .
قدمت بالأمس دراسة عن التعذيب باليمن، من نهاية الستينيات، إلى نهاية 2010، أعددتها ضمن برنامج لمنتدى الشقائق، وعرضها تم كونها تتعلق بعمل العدالة الانتقالية، نقلت فيها شهادات لنماذج من الضحايا وإذا بالبعض يتحسس من أشياء معلومة، وذكر أسماء، الجلادين، الذي يخصونه، وهذا يبرر بالتصالح، وذاك با الحصانة وآخر بالتوافق. يحدث هذا في فريق العدالة الانتقالية، الذي يشترط اعتراف واعتذار الجناة للضحايا، تأملت إذا عن أي قانون عدالة نتكلم؟ وأي إنصاف؟ ما ورد شهادات، ولجان الحقيقة والتحقيق، والقضاء له الكلمة الفصل، لا أريد أن أشعر أنه حوار بين جلادين وضحايا .
إن غلق ملفات صراع الماضي يحتاج إلى مواجهة الحقائق، يحتاج إلى العدل والإنصاف، والاعتراف والاعتذار، وجبر الضرر، ليست العدالة الانتقالية تماثيل وتكريما وتعويضا، إنها كشف حقيقة ومصير، واعتراف واعتذار، وعدالة وجبر ضرر.
وزع علينا مشروعي قانون عدالة انتقالية مقدمين من المشترك والمؤتمر الشعبي، وأعتقد أن نقاشها ووضع ملاحظات عليها شيء جيد للوصول إلى محددات أساسية يجب أن يوضع على أساسها أي قانون سيصدر، بأي وقت مناسب، يكون فيه الجلاد مستعدا أن يعتذر من الضحية .

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
2 + 1 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.