الوضع الأمني في اليمن إلى أين؟

لا يختلف يمنيان على أن "اللجان الشعبية اليمنية" لا يمكن فصلها عن حركة "أنصار الله"، فالتسمية التي أطلقها قائد الحركة السيد عبد الملك الحوثي على تشكيلات المتطوعين من مؤيديه وأبناء القبائل المتحالفة معه لا تعدو كونها تشبه تشكيل " التعبئة" المنضوي تحت إمرة "أنصار الله". وهي - أي اللجان - تتحمل اليوم أعباء و"أثمان" مؤازرة قوات الجيش الحكومية في فرض الأمن داخل العاصمة، والتصدي للمجاميع التكفيرية التابعة، أو المساندة، لتنظيم القاعدة المسمى في اليمن بتنظيم "أنصار الشريعة" في البيضاء ومأرب وغيرهما من المحافظات.

في الثاني عشر من الشهر الحالي، شن السفير الأميركي في صنعاء "ماثيو تولر" هجوماً هو الأكثر عدائية تجاه اللجان الشعبية وحركة "أنصار الله" حين هدّد في تصريح رسمي بفرض ما وصفه "بالعقوبات المضاعفة على الحوثيين واللجان بحال استمرا في احتلال مؤسسات الدولة اليمنية". سبق ذلك بأيام إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة وضع الحركة على لائحتها "للمنظمات الإرهابية".

ذهب الكثير من المحللين والمراقبين إلى اعتبار الهجومين السياسيين تجاه الحوثيين بمثابة الموقف المشترك والمنسّق بين الإدارة الأميركية وحلفائها الإقليميين في الخليج. لكن مجرى الأمور ميدانياً، وتكشّف بعض المعلومات، عكس تبايناً واضحاً في الخلفيات التي على أساسها تم تخريج الموقفين الأميركي والخليجي تجاه الحركة واللجان الشعبية.

فبحسب مصادر إعلامية يمنية غير محسوبة على حركة "أنصار الله" وحلفائها الداخليين، هناك توجهات دولية، وأميركية بالتحديد، لتحييد اللجان الشعبية عن المشهد السياسي اليمني من خلال الاصرار على تنفيذ اتفاق السلم والشراكة دون أن يؤدي هذا التحييد إلى المزيد من التأزم الأمني وسفك دماء أثبتت التجربة أن عواقبها تُحسب دائماً لمصلحة الحوثيين. وهي توجهات تختلف عن التوجهات "الانتقامية" لبعض دول مجلس التعاون الخليجي بعدما أصبحت حركة "أنصار الله" صاحبة القرار الأقوى في رسم مسار العملية السياسية لحكومة "خالد البحاح" المنبثقة من اتفاق السلم والشركة. إذ إن اللجان الشعبية الثورية ما زالت ماضية وبإصرار في عقد لقاءات مع الوزراء الجدد ومناقشة المشاكل التي تعيق تنفيذ التصحيح وإصلاح الخلل القائم في مؤسسات الدولة.

مصادر خليجية: إذا انتسبت اللجان إلى الجيش فالحريات المدنية في خطر!!

داخل صنعاء، تدوي سلسلة انفجارات متزامنة، والنتيجة عشرات عناصر اللجان الشعبية الثورية بين قتيل وجريح. في هذا الوقت، تنشر إحدى الصحف الخليجية - السياسة الكويتية - مقالاً يحذّر من المخاطر التي ستترتب على ضم اللجان "ذات البعد الطائفي" كما أسمته إلى قوات الجيش والأمن اليمنية، فذلك سيكون على حساب مهنية ووطنية القوات المسلّحة والأمن.
ويقول المحلل العسكري للصحيفة، العميد اليمني السابق محسن خصروف، المعروف بولائه للواء الفارّ إلى السعودية علي محسن الأحمر "إذا ما تم دمج اللجان في الجيش والأمن فسيقتلون الناس بشكل جماعي ولن نجد في اليمن بعد ذلك أي مساحة للحريات المدنية"، من دون أن يأتي أبداً على ذكر التفجيرات التي تبناها تنظيم أنصار الشريعة.

بل يذهب خصروف إلى "التنبؤ" بأن اندماج اللجان في الجيش "سيؤدي إلى عنف شديد غير مسبوق ولا يبشّر بسلام اجتماعي أبداً"، محمّلاً المسؤولية لمن أسماهم القوى المدنية وقوى الحداثة التي لم يعد لها صوت وكأنها تبخّرت أو انشقّت الأرض وابتلعتها.

هذا الموقف واكبه مصدر دبلوماسي عربي بالقول لوكالة "رويترز" إن مجلس التعاون لخليجي لن يسمح بفرض الحوثيين سيطرتهم على مؤسسات الدولة الأمنية تحت عنوان الانخراط في هذه المؤسسات.
لم تمضِ ساعات على هذه التصريحات الخليجية، حتى جاءت خطوة الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي لا يفارقه المبعوث الدولي إلى اليمن جمال بن عمر، بتعيين محافظين جدد لإدارة المحافظات اليمنية، معظمهم من المقرّبين لحركة أنصار الله الحوثية. وبحسب مصادر مقرّبة من الرئيس هادي، فإن ذلك أتى بفعل توصيات أميركية باتت تلحّ على هادي لبذل ما يمكن لاحتواء الحوثيين وعدم تحويلهم إلى أخصام في السياسة الداخلية اليمنية. وهو الموقف الذي تعارضه بعض الدول الخليجية التي يبدو أنها لم تعد تمسك إلا بورقة تحريك عناصر تنظيم القاعدة.

مصادر حكومية يمنية: اللجان الشعبية شريكة في مكافحة الإرهاب

في هذه الأثناء ينشط رئيس الحكومة اليمنية خالد محفوظ بحاح في بثّ رسائل تطمينية بأن الواقع الحالي في اليمن يشجع على اتخاذ جميع الخطوات المحفزة على الاستثمار في البلاد لا سيما في مجال النفط.

وقال البحاح أثناء لقائه مع نائب مدير شركة ميدكو الأندونيسية لاستكشاف النفط والغاز: "إن الجهات الحكومية اليمنية ستوفر الدعم اللازم للشركات النفطية للقيام بمهامها وتحقيق النجاح الذي تنشده الحكومة والشركات في هذا القطاع".

ويقول مصدر حكومي لـ"موقع العهد الإخباري": "إن الزوابع الإعلامية التي تثار بشأن الواقع الأمني في اليمن هي أقرب للتهويل منه إلى الحقيقة. فلولا التفجيرات والاغتيالات التي تتسلل بدعم خارجي إلى شوارع المدن والمحافظات لكان اليمن يعيش أفضل مراحل الأمن والاستقرار"، مضيفاً: "إن هيئات المجتمع اليمني التي فقدت منذ نحو شهر أحد أبرز رموزها وهو الدكتور عبد الملك المتوكل، تقف إلى جانب حكومة السلم والشراكة التي تشكّلت من وجوه كفاءات وتكنوقراط وليس من وجوه سياسية. وهذا ما لا يأتي على ذكره أحد. إنها المرة الأولى منذ نصف قرن تتشكل فيها حكومة من هذا النوع تحت غطاء الدعم والحماية من قبل جميع الأفرقاء السياسيين في اليمن، وهذه التجربة لا بد وأنها تستحق الفرصة لإثبات نفسها وقدرتها على منح اليمنيين حياة أفضل، بعيداً عن الحروب والصراعات التي لم تعطهم إلا الويلات والجوع".

وحول دور اللجان الشعبية يقول المصدر: "الجميع متفق على أن المؤسسات الحكومية اليمنية، ومنها المؤسسات الأمنية، تمرّ في مرحلة انتقالية وهي تبني نفسها مجدداً على أسس ومعايير علمية ومهنية شفافة وقابلة للاستمرار في خدمة اليمن وليس بعض اليمنيين. وفي ظروف كهذه من الطبيعي أن تشكّل القوى الشعبية عامل مؤازرة وحماية للعملية الانتقالية، خاصة أن هذه اللجان تتألف من تحالف أبناء غالبية القبائل بمختلف مرجعياتها المذهبية والحزبية، والتخلي عن هذه اللجان في ظل استمرار التهديدات من قبل الجماعات التي يصفها غالبية العالم العربي بأنها جماعات إرهابية، هو ضرب من ضروب الغباء وعدم الحكمة. لقد وافقت اللجان الشعبية على الانخراط في الخدمة تحت إمرة الدولة تمهيداً لضبط ظاهرة انتشار السلاح وتوحيده في كنف سلطة الدولة، وهذا ما كان يستوجب مباركة جميع الأفرقاء اليمنيين والدول الإقليمية التي تعلن وقوفها إلى جانب التحول السلمي في اليمن"، ويختم بالتساؤل: "هل يريد البعض أن يبقى سلاح اللجان خارج مظلّة الدولة؟ من كان لديه اقتراح حل لهذا الأمر فليتقدم به إلى حكومة السلم والشراكة بدلاً من إرسال رسائل التخويف بالتصريحات... أو السيارات المفخخة".