إسقاط طائرة أمريكية في سماء صنعاء ليس حدثا معزولا ..

الحديث عن كون اليمن، لاعبا منتظرا لتغيير المعادلات الجيوستراتيجية على مستوى منطقة الشرق الأوسط لم يعد كلاما فحسب، فبعد مايزيد عن عامين ونصف من العدوان، وتمكن اليمنيون من إسقاط فخر الصناعات الجوية الأمريكية - ام كيو 9 ريبر- بات الحديث عن ذلك يكتسب مصداقية أكبر، في ظل قيادة ثورية  يبدو أنها تنأى بنفسها عن أي حسابات قد تكون رسمت لتحديد خطوط الصراع في المنطقة حاليا أو سابقا ولاتزال بعض أطراف حلف المقاومة تلتزم بها رغبة في عدم توسع دائرة المواجهة الحالية وجر أطراف إلى الصراع بشكل مباشر خشية حسابات بعينها، سوى عملها الدؤوب لوقف العدوان على شعبها وانتزاع الاستقلال.

 

مشهد فخر الصناعات الأمريكية في برامج الطائرات بدون طيار في سماء العاصمة صنعاء وهي تهوي بصاروخ يمني، يحمل دلائل استراتيجية تتجاوز أبعاد المشهد الذي احتشد حوله العامة وتسمر الآلاف من مشاهدي القنوات الفضائية لرؤيته.

 

ولعل البعد الأول الذي يمكن قراءته أولا يتمثل في المصداقية العالية التي يتمتع بها السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي كقائد عسكري محنك يدير معركته وفق الإمكانات المتاحة ويطورها بما يمكنه من مفاجئة عدوه في أماكن لم يكن يتحسب للمواجهة فيها، والامر الاخر في كون تهديدات قائد الثورة الشعبية في اليمن لا تحتاج الكثير من الوقت ليجري ترجمتها على أرض الواقع.

 

السيد عبد الملك كان تحدث في خطاب له حول الحرب وظروف المنطقة في ال 14 من سبتبمر الماضي إلى أن الدفاعات الجوية اليمنية تعمل على قدم وساق وحققت تقدما في استهداف الطائرات الأمريكية الحديثة التي تحلق على مدار الوقت في السماء اليمنية.

 

وهو إلى جانب إدارته اليومية للمعركة مع قوى العدوان سواء لجهة المواجهة اليومية في جبهات القتال أو التخلص من تبعات الحصار الاقتصادي، هو عاكف ويعمل لما يرى أنه سيغير وجهة الحرب ويسرع بالنصر المرتقب.

 

كما أن إسقاط الطائرة الامريكية يدل دلالة واضحة على أن هذا القائد حين دعا شعبه إلى الصبر والتحمل وهو يعلن الخيارات الاستراتيجية قبل ما يزيد عن عام ونصف، كان يعي جيدا ما يمتلكه من قدرات في الميدان، ومتوكلا على الله لم تكن خياراته للاستهلاك الإعلامي، أو لشحذ الهمم ومنح الانفس مزيدا من الصبر ، وهو ما يلجأ اليه العديد من القادة في الحروب حين تضيق بهم الخيارات ويصبح الامر معلقا بانتظار تحول من هنا او حدث يخدمهم من هناك، بل كان الامر لدى هذا القائد اشبه بخارطة طريق يتم السير بها ووقودها كما اشرنا انفا الاتكال على الله والاعتماد على النفس والعمل مع مزيد من الصبر.

 

وفي الشأن الداخلي فإن اسقاط الطائرة الامريكية بدون طيار يحمل رسالتين هامتين للداخل الذي خرج لتوه متعافيا من آثار خلاف سياسي ذهب إليه البعض عامدا ويائسا ومغترا وطامعا جميعها في آن معا، وفي حدث الأول من أكتوبر يجد الدليل العملي على كون خيار المواجهة الأجدى لتحقيق النتائج المرجوة دون خنوع او استسلام، وخاصة إذا ما اقترن ذلك بوجود قيادة شابة حكيمة تراعي الشراكة، وتمتلك رؤية واضحة لكسر شوكة العدوان على اليمن، وهي في ذلك حسمت خيارها وتصل الليل بالنهار على أكثر من صعيد لتحقيق الانتصار.

 

والرسالة الثانية لمن لايزال في نفوسهم بعض ريبة تجاه إطلاق مصطلح العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، واتهام أمريكا بكونها صاحبة قرار الحرب وما السعودية والإمارات إلا أدوات رخيصة في جعبة البيت الأبيض وإدارة ترامب، فالطائرة التي إسقطت ليست متاحة للبيع إلى جيوش العالم وفقط جيوش الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا من يمتلكون إعداد من هذه الطائرات والتي أنتج منها 163 فقط، ويمكنها تنفيذ عمليات قتالية وقيادية في أرض المعركة، كما يمكنهما تنفيذ مهام تقوم بها الطائرات الحربية المأهولة.

 

وفي اتجاه الحلفاء والقوى التي تتصارع في الإقليم والعالم الصامت على المجازر اليومية بحق اليمنيين، ثمة رسالة أكثر وضوحا وعمقا بأن اليمن ليس في وارد الالتزام بقواعد الاشتباك وهو ماض في كسر العدوان عليه واجتياز الخطوط الحمر غير آبه بشيء من ذلك، مادام العالم صامتا وعاجزا عن الإتيان بلجنة تحقيق في الجرائم اليومية.

 

 وفي اتجاه الأعداء وعلى رأسهم العدو الأمريكي، فإن الوجوم الذي اعتراه وعد التصديق دليل على القلق الكبير، ولم تكن واشنطن ولا حلفاؤها قبل ألف يوم من اليوم وهم يشنون عدوانهم في توقع لحدوث مثل هكذا حدث، وأن تهان التكنولوجيا الأمريكية ويوجد في المنطقة من يتجرأ وينال من سلاح الجو الأمريكي ولديه العزم والإصرار للمضي باتجاه ماهو أكثر من ذلك.

 

وربما حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله مرتاحون حال إبلاغه بالأنباء السارة القادمة من اليمن، فالحزب الذي لم يستخدم سلاحا كاسرا للتوازن بوجه إسرائيل في حرب تموز العام 2006م قلق اليوم من إمكانية شن إسرائيل الحرب فيما لم تضع الحرب أوزارها بعد في سوريا، ولايزال يقاتل الجماعات التكفيرية في سوريا.

 

ويعلم جيدا أن القلق سيعتري تل أبيب بعد حدث صنعاء الجلل وسيدفعها جنرالاتها لإعادة حساباتهم العسكرية، في ظل ضبابية الرؤية عن مدى قدرات المقاومتين اليمنية واللبنانية إن صح التعبير لكن الوصول يمنيا إلى أي نقطة في البحر الأحمر لم يعد بخاف وتحدث عنه السيد عبد الملك، ويدرك حزب الله أن له في اليمن حلفاء أوفياء وموثوقين.

 

وفي الخلاصة فإنه وبعد مضي نحو ألف يوم من العدوان على اليمن يتمكن اليمنيون من الصعود لتحرير الأجواء وان لم يكن بشكل كامل لكن المظلة الصاروخية تتشكل اليوم، وغدا تنشر شباكها بشكل كامل على كل السماء اليمنية.

 

وهي إلى جانب القوتين الصاروخية والبحرية ستلعب دورا كبيرا وحاسم في احداث تغيير جيوستراتيجي تنشده المنطقة للخروج من دوامة الدم الذي زرعته أمريكا وأدواتها في المنطقة، إن استمر العدوان على اليمن وقرر السيد القائد المضي في خيارات استراتيجية كبرى، تنشدها فلسطين التواقة أكثر من أي وقت مضى للانعتاق من الاحتلال الصهيوني والتآمر الخليجي والعربي، خاصة وهي ترى عشاقها يزدادون قوة يوما بعد آخر ويحرزون الانتصارات وعينهم على القدس لا تغادرها قبلة.

 

ولعل من المصادفة البحتة وربما المقصودة أن يتزامن إسقاط الطائرة الأمريكية MQ9 ريبر مع الذكرى الأولى لاستهداف سفينة القيادة والإنزال الأمريكية المؤجرة للإمارات قبالة السواحل اليمنية، في رسالة تكامل تنال من عمودي الهيبة الأمريكية في العالم، ما يعني مصداق حديث السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بأن الشعب اليمني يحرز انتصارا عظيما قد لا يدرك قيمته اليوم وهو يواجه التقنية الأمريكية الأحدث في العالم ويحط من قدرها، والأسلحة الأمريكية الفتاكة ويتمكن بوجهها من الصمود ومواصلة القتال.

 

 وما هو متاح لواشنطن أن تفعله بعد تجريب كل شيء في اليمن هو الخروج بأسرع ما يمكن من المستنقع اليمني لتحافظ على ما تبقى من هيبتها أمام روسيا والصين وحلفائها في الأطلسي، وهو ما كانت فطنت إليه إدارة أوباما وذهبت إلى محاولة إنجازه في مسقط ولتحمل وزر الاستمرار في الحرب العبثية إلى الإدارة الجديدة.

 

ويوما سيستعيد التاريخ مشاهد الحفاة وهم يقتحمون المواقع السعودية العسكرية ليقول: إنها لم تكن سوى أول درجات السلم الذي صعد بهم إلى السماء ومكنهم من أن ينالوا من فخر الصناعات الجوية الأمريكية واحد رموز تفوقها، فتهوي بصاروخ عزمهم إلى الأرض حطاما تلتهمها النيران ويدوسها البسطاء بأقدامهم، وتلك أول الحكاية..